للشّاعر الفرنسيّ ألفريد دي موسيه
تعريب : محمد الصالح الغريسي
لوسي
أصدقائي الأعزّاء،عندما أموت
اغرسوا في المقبرة شجرة صفصاف
أنا أحبّ أوراقها الكئيبة
فشحوبها لطيف، و عزيز على نفسي
و ظلّها سيكون خفيفا على التّربة الّتي فيها سأنام.
ذات مساء ،كنّا وحيدين،كنت جالسا حذوها
أحنت رأسها، و على قيثارتها،
تركت يدها البيضاء تسبح ،و هي في شبه حلم
لم تكن سوى همسة: كما لو كانت خفقات جناح
أو نسمة نديّة قصيّة تتسلّل بين القصب
تخشى و هي تمرّ أن توقظ الطّيور.
نفحات اللّيل الدّافئة الكئيبة
تضوع حوالينا ،من كؤوس الزّهور
أشجار القسطل في الحديقة،و أشجار الدّوح العتيقة
تتمايل في هدوء تحت أفنانها الباكية.
كنّا نصغي إلى اللّيل،و من النّافذة المنفرجة
كانت تأتينا عطور الرّبيع
كانت الرّياح خرساء،و السّهل مقفر
كنّا وحيدين ،متأمّلين،و كنّا في الخامسة عشر من عمرنا
كنت أنظر إلى “لوسي”.لقد كانت شاحبة و شقراء.
ليس ثمّة عينان أحلى،لهما من الصّفاء ما لأصفى سماء
عميقتان كانتا،تعكسان زرقة اللازورد
كان جمالها يسحرني،لم يكن لي سواها في هذا العالم
لكن كنت أَحْسَبُنِي أحبّها كما تُحَبُّ الأخت
ما أكثر ما في تصرّفاتها من الحياء
سكتنا لوقت طويل،ثمّ لامست يدَها يَدِي
كنت أتأمّل جبينها الحالم في حزنه و فتنته
كلّ حركة تصدر عنها،كانت قريبة إلى روحي
كم بيننا ،من هم قادرون أن يشفوا كلّ الآلام ؟
هاتان العلامتان التوأمان للسّلام و السّعادة
شباب الوجه وشباب القلب
البدر و هو يطلع في سماء بلا غيوم
من شبكة فضيّة طويلة ،غمرها فجأة
لقد لَمَحْتُ صورتها تشرق في عينيّ
و ابتسامتها تبدو كأنّما لملاك:فغنّت.
يا ابنة الآلام،التآلف ،التّآلف
تلك اللّغة الّتي ابتدعها الجان للحبّ
و الّتي جاءتنا من إيطاليا،و جاءته من السّماوات
يا لغة القلب الرّقيقة،تلك الوحيدة الّتي تمرّ فيها الفكرة
هذه العذراء المتهيّبة،ذات الظلّ المَهين
محتفظة بوشاحها، لا تخشى العيون
من يدري ما تستطيع طفلة، أن تسمعه أو تقوله،
في آهاتها الإلهيّة،المولودة من الهواء الّتي تتنفّسه
الحزينة مثل قلبها،النّاعمة مثل صوتها؟
تفاجئك منها نظرة،دمعة تسيل
الباقي هو لغز يجهله الجميع
كلغز البحر و اللّيل،و الغاب
كنّا وحيدين ،نتأمّل…كنت أنظر إلى” لوسي”
كان صدى رومنسيّتها فينا ، يبدو مرتجفا
أسندت إليّ رأسها المثقل
لعلّكِ كنتِ تحسّين في قلبك “ديدمونة” و هي تئنّ
مسكينة أيّتها الطّفلة؟ كنت تبكين
كنت تدعين في حزن ،شفتيّ تحطّان كفراشة على فمك الرّائع
ما حصل أّنّ ألمك هو الّذي استلم قبلتي
هكذا كنت أقبّلك،باردة،حائلة اللّون
هكذا بعد شهرين،وُضِعْتِ في القبر
هكذا ذبلت،يا زهرتي العفيفة
كان موتك ابتسامة حلوة كحياتك
ثمّ انتقلت إلى اللّه في مهدك
لغز لطيف أنتَ،يا بيتا تسكنه البراءة
و الأغنيات،و أحلام الحبّ،و الضَّحكات،و كلمات طفلة
و أنْتِ، يا فتنة مجهولة،لا يقف أمامها شيء
يا من جعلت “فاوست” يتردّد على عتبات “مارغريت”
يا براءة الأيّام الأولى،إلى أين انتهيت؟.
سلاما عميقا إلى روحك يا أيّتها الطّفلة،و إلى ذكراك
الوداع..يدك البيضاء على ملامس العاج
طوال ليالي الصّيف،لن تحلّق بعد اليوم…
أصدقائي الأعزّاء،عندما أموت
اغرسوا في المقبرة شجرة صفصاف
أنا أحبّ أوراقها الكئيبة
فشحوبها لطيف ، عزيز على نفسي
و ظلّها ،سيكون خفيفا على التّربة الّتي فيها سأنام.
ألفريد دي موسيه
هو شاعر فرنسي رومانسي وأديب وروائي حققت كتاباته شهرة طاغية، لما فيها من مشاعر مرهفة وأحاسيس قوية، وينتمي موسيه إلى المدرسة الرومانسية والتي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وازدهرت أوائل القرن التاسع عشر ومنتصفه، وقد أتت الرومانسية كرد فعل مضاد للكلاسيكية والاتجاه نحو العقل الذي اتبعه السابقون، وكان موسيه واحداً من الشعراء الذين تمردوا على القيود الكلاسيكية وتبنوا المذهب الرومانسي الذي يدعو إلى ا لحرية.
عائلة راقية ولكن فقيرة
ولد لويس شارلز ألفريد دي موسيه في الحادي عشر من ديسمبر 1810 بباريس، كانت عائلته تنتمي لعائلات الطبقة العليا هذا على الرغم من الفقر الذي نشأ به موسيه، شغل والده عدد من المناصب الحكومية الهامة، لكنه كان يبخل بماله على ولده فلم يمنحه شيئاً أبداً، وكانت والدته إحدى سيدات المجتمع الراقيات تولي أهمية لغرفة الرسم الخاصة بها وللحفلات الراقية، وقد تأثر موسيه كثيراً بهذا.
موهبة منذ الطفولة
عشق موسيه الأدب والشعر وبدأت مؤشرات الموهبة تظهر عليه في مرحلة الطفولة، وذلك من خلال ولعه بالقصص الرومانسية القديمة فكان ينكب على قراءة القصص الصغيرة ثم يحاول تجسيدها على شكل مسرحيات مصغرة، بعد ذلك بعدة سنوات طرأت فكرة للشقيق الأكبر باول موسيه وهي تدوين السيرة الذاتية لشقيقه الشهير من اجل حفظها للأجيال القادمة فضمت السيرة المسرحيات التي قدمها ألفريد إلى جانب العديد من التفاصيل الخاصة بحياته وأدبه.
التحق ألفريد في سن التاسعة بكلية هنري الرابع، وفي عام 1827 تمكن من الفوز بجائزة المقالات اللاتينية، بمساعدة بول فوشيه صهر فيكتور هوجو، وفي سن السابعة عشر بدأ ألفريد ينتظم في حضور الصالونات الأدبية لشارل نودييه، وانضم إلى Cénacle وهو اسم أطلق على إحدى المجموعات الأدبية الباريسية التي نشأت عام 1826 والتفت حول شارل نودييه، وسعت هذه الجماعة من اجل إحياء الأدب الفرنسي، وكان في هذه الجماعة لامارتين، وفيكتور هوجو وغيرهم.
بدايته ككاتب
بعد العديد من المحاولات لدراسة الطب، والقانون والرسم والإنجليزية، ترك ألفريد كل ذلك واتجه للأدب، فصار واحداً من الأدباء الرومانسيين، ونشر أولى مجموعاته الشعرية عام 1829 تحت عنوان “قصص من إسبانيا وإيطاليا”، ومع مرور الوقت وبوصوله إلى سن العشرين حقق ألفريد موسيه الكثير من الشهرة الأدبية.
فكره الرومانسي
انتمى موسيه إلى الفترة الرومانسية والتي تزامنت مع وجوده كأديب وشاعر، وانضم في فكره الرومانسي إلى جانب عدد من الشعراء أمثال الفونس دو لامارتين، وفيكتور هوجو، والفرد دو فيني وغيرهم، وكان هؤلاء الشعراء والكتاب الرومانسيين يرفضون العقلانية الزائدة والشكل الأدبي الخالي من الحياة، بينما كانوا يؤيدون إبراز العواطف والخيال، وابتكروا وسائل جديدة من أجل حرية التعبير.
وكان موسيه أحد هؤلاء يميل إلى الرومانسية ويمجد القلب بما فيه من مشاعر ويقال في ذلك أنه كان يعارض مقولة الناقد الفرنسي نيكولا بوالو صاحب المذهب الكلاسيكي الحديث والذي يعتبر أن العقل هو الأساس والمعيار لفلسفة الجمال في الأدب، ويقول ” أحبوا دائماً العقل، ولتستمد منه وحدة مؤلفاتكم كل ما لها من رونق وقيمة”، أما موسيه فكان يقول “أول مسألة لي هي ألا ألقي بالاً إلى العقل” وهنا يقصد العقل بمعناه الكلاسيكي، ثم ينصح صديق له فيقول ” أقرع باب القلب ففيه وحدة العبقرية وفيه الرحمة والعذاب، وفيه صخرة صحراء الحياة، حيث تنحبس أمواج الألحان يوماً ما إذا مستهما عصا موسى”
وقد تميز موسيه بموهبته الشعرية العبقرية، وتعبر قصائده الحزينة المكتئبة عن الحب والمعاناة والوحدة، من قصائده “الأمسيات” 1835 – 1837 ويتضح بها شدة تأثر موسيه والقسوة التي عانها بفقد حبيبته.
موسيه العاشق
بالطبع عندما يكون الكاتب عاشقاً للرومانسية ومنتمياً إليها قلباً وقالباً تكون مشاعره أكثر رقة من الآخرين، وهو ما كان مع موسيه الذي عاني من قصة حب مشتعلة مع الروائية الفرنسية الشهيرة جورج ساند، والتي استلهم أحداث مسرحيته “لا تهزأ بالحب” من خطابات الغرام بينهم.
وقد دخلت ساند حياة موسيه وسافرت معه إلى إيطاليا عام 1834 ثم هجرته، وقد روت جورج ساند قصة الحب هذه في كتابها “هي وهو” وصدر عام 1859، ورد عليها شقيق موسيه الأكبر باول بقصة مضادة بعنوان “هو وهي”.
وجورج ساند هي روائية فرنسية اسمها الحقيقي “أورور ديبان” عرفت بتمردها وانطلاقها وعشقها للحرية، كما عرفت بمغامراتها العاطفية، قدمت العديد من الروايات مثل أندريه، جاك ماتيو، هي وهو وغيرها الكثير من المؤلفات.
مؤلفاته
تنوعت الأشكال الأدبية لموسيه فقدم الشعر والقصة والمسرحية، نذكر من أعماله قصيدته الطويلة “رولا” عام 1833،
ثم قدم عدد من الأعمال الأدبية في الفترة من 1835 – 1837 منها “الليالي”،
وفي عام 1836 أصدر “اعتراف فتى العصر”،
و”حكاية الإنسان الضائع” 1842،
“بيير وكاميل” 1844، اعترافات طفل من القرن وهو سيرة ذاتية،
قصيدة الذكرى” والتي قال فيها:
لا أريد أن أعرف شيئاً، لا الحقول إذا أزهرت
ولا ما سيحدث للشبح الإنساني
ولا إذا كانت هذه السموات الواسعة ستتكشَّف غداً
هذا الذي كتمتْهُ عنا
يكفيني أن أقول: في هذه الساعة، في هذا المكان
إنني قد أحببْتُ ذات يوم، وأحببتُ.
كانت جميلة
سأُخفي هذا الكنز في نفسي الخالدة
وأحمله معي إلى الله!
وفي قصيدته “محنة” يقول :
ساعة موتى، منذ ثمانية عشر شهراً
تدق أذنى من كل الجهات
منذ ثمانية عشر شهراً من السأم والسهاد
فى كل مكان أحسه وأراه في كل مكان
كلما انهزمت إزاء بؤسى
كلما تيقظت بداخلى غريزة الشقاء
ومنذ أن أردت أن أخطو على الأرض
أشعر فجأة بأن فؤادى يتوقف
قوتى، في صراع ترهق نفسها ولم تأل جهداً
حتى راحتى، الكل في خلاف
وكما فرس منهك من التعب
شجاعتي تهمد، تترنح .. ثم تذبح
من مؤلفاته
الأماني العقيمة
ترجمة الشاعر التونسي محمد الصالح الغريسي
ما دامت هذه حرفتك،يا أيّها الشّاعر البائس
حتّى في هذا الزّمن العاصف
حيث تخلد الأفواه إلى الصّمت
و كحلم يتلاشى في ضجيج الحركة
يختفي الخيال، بينما تتكلّم السّواعد…
ما دامت حرفتك، أن تجعل من روحك
مومسا،و أن تجعل الفرح و الألم
كلاهما و بلا انقطاع … يسعى إلى الخروج من قلبك،
فلا تجعل على الأقل ،هذه المهزلة المغطّاة بقناع حقير
تنحطّ بتفكيرك ،فتأخذه معها إلى أعمدة التّشهير
حيث لا منبسط و لا منعطف و لا ستار يظلّله…
دع عنك عمل العنكبوت هذا، و كلّ هذه الخيوط المخجلة..
دعها للشّيوخ الضّعفاء و الجبناء
تلفّ مرتجفة أنفتهم
الّتي تخشى أن تفضحها العيون.
ما من مذبح و أثاف…ما من عودة إلى المدنّسات
فليحرّك نسمة الحريّة ،مزمار ك الّذي كسر بلا خوف عود العازفات
لتمشي عارية القدمين كالحقيقة
*
آه يا ماكيافيللي. ما يزال وقع خطاك يرنّ في دروب”سا كاسيانو” المقفرة .
هناك تحت السّماوات المحرقة ذات الهواء الجافّ المفترس.
كنت عبثا تفلح أرضا هزيلة و بلا ماء
و عند المساء ،كانت يدك المنهكة من حفر الأرض
تضرب جبينك الشّاحب في صمت اللّيالي
هنا ،كنت بلا أمل و لا أقارب و لا أصدقاء
كانت البطالة الحقيرة،ابنة الفقر.
تجرّ أذيالها ببطء ،خلف ظلّك حيثما حللت
و تشرب من دفق دماء قلبك الصافية:
فكتبت:”من أنا ؟ أعطوني حجارة
صخرة أدحرجها؛إنّها سكينة القبور
الّتي أهرب منها،فأبسط يد الرّاحة المنهكة”
*
هكذا يا ماكيافللّي،أكتبني معك
كم هو تافه ،من يصرّ على جرّك إلى هذه الدوّامة المقرفة من الحياة
إنّه يمارس لعبة جبانة،إذا لم يقل:كلّ شيء أو لا شيء.
أنا ما أزال شابّا، لقد أدركت منتصف طريقي،
و أنا بعد، منهك من السّير،و ها أنا أعود أدراجي
إنّ علم الإنسان،هو الحقارة و لا شكّ،
إنّه حقّ الشّيخ الّذي لم أُمْنَحْهُ
لكن هل تراني مجبرا أن أفكّرفيه؟ ليس ثمّة إلاّ كائن واحد
يمكنني معرفته بالكامل و باستمرار
أو يمكنني على الأقلّ أن أكون واثقا في حكمي عليه
هو واحد…أحتقره،و هذا الكائن هو أنا.
*
ما الّذي فعلته ؟ ما الّذي تعلّمته ؟ الوقت يمرّ بسرعة
و يمشي الطّفل سعيدا، لا يفكّر في الطّريق
الّذي يعتقد أنّه بلا نهاية.
فجأة ،يعترضه نبع صاف.
يتوقّف،ينحني،فيرى فيه شيخا.
ماذا عساني أقول لنفسي حينذاك؟عندما تجتاحني الآلام
عندما أ ُسمع و أنا أقول:واحسرتاه ..
سيكون قد فات الأوان، عندما يتوقّف جامدا في أعماق عضامي
،هذا الدّم الّذي يغلي اليوم في عروقي
و يتلاشى صارخا في وجه راحة جبانة
آه يا أيّتها الشّيخوخة..ما فائدة تجربتك إذا؟
ماذا ستجني يا شبحا بلا جدوى ،أن تنحني قبل الأوان،
نحو قبر البشر الموحّد ،إذا كان الموت يدخله في صمت،
عندما تخرج منه الحياة،
أليس ثمّة في لعبة الحظّ هذه،لاعب أمعن القدر في هزيمته،
إذا لقيني على عتبة الحياة وهو خارج،
يقول لي:لا تدخل ،فأنا قد خسرت..
*
يا أرض الإغريق يا أمّ الفنون،و أرض الوثنيّة،
يا أرض أمانيّ الخرقاء ،و وطني الأبديّ
لقد ولدت لهذه العهود ،حيث زهور جبينك
تتوّج في البحار لازورد “هيليسبون”
و روحي تتيه مع النّحل تحت أروقتك.
و لغة شعبك يا أرض الإغريق، يمكن أن تموت؛
و يمكننا نحن ،أن ننسى أسماء جبالك،
لكن،فقط بتنقيبنا في صميم أريافك الشّقراء
تمكّنت أنظارنا فجأة من اكتشاف
بعض آلهة من الخشب،و بعض تماثيل فينوس المفقودة
إنّ اللّغة الّتي كان يتكلّمها قلب ” فيدياس”
ستظلّ دائما حيّة،و مسموعة باستمرار؛
لقد تعلّمها الرّخام و لن ينساها.
و أنت يا إيطاليا العجوز،أين تلك الأيّام الهادئة
حيث كانت روما تؤوي الفنون تحت أسقف البلاطات
،و آلهتها الصّديقة،الكسولة؟
عندما كان رساموك قد غادروا إلى المدن
ليشيّدوا القصور و القبور و المعابد
ناصرين اللّه معلين شأنه بين البشر،
عندما كان الكلّ يخلقون الأعاجيب حسب قولهم
و عندما كانت روما تحارب البندقيّة و اللمبارديين
كانت حينئذ عهود الفنون الزّاهية…
هنا كان ميكال آنج،و قد أرهقه السّهر ،شاحبا
وسط الأموات،و بيده مشرط و هو يبحث عن الحياة
في أعماق هذا العدم البشريّ
رافعا – من حين إلى آخر – رأسه المثقلة
ليلقي نظرة غضب و حسد،
على قصور روما حيث كان رفاييل يبتسم
لمنافسيه من بعيد.. من أسفل المعبد.
هنا، كان” إلكورّيجيو”، الرّجل الفقير المتواضع
يعمل من أجل قلبه،تاركا البقيّة للّه
و الرّائع ” جيورجيوني ” ،ذلك الشّاب ‘ التّيتوي’
و هو يبرز من أعماق البحار،سماءه الفينيسيّة الجميلة،
و “برتولومي” المغرق في التّفكير،معفّر الجبين
و هو يكسر قلبه الشّابّ على مذبح صخريّ
و في الأسفل تماما،يبدو “رفائيل” و هو يسأله عن الفنّ
حريصا في إجابته ،أن يدلّه على السّماء
يا أيّتها العهود السّعيدة، المحبوبة.
لعلّ يديّ ، الجبانتين في نظرك آنذاك
كان بإمكانهما العناية
لكن بمن ستعتنيان اليوم؟و لماذا ؟ و بقيادة من؟
إنّ الفناّن تاجر،و الفن مهنة.
ادّعاء باهت،و نسخة حقيرة،يولدان تحت شمس إيطاليا الحارقة…
إذا كان لأعمالنا عام ،فإنّ لانتصاراتنا يوم؛
لقد مات كلّ شيء في أوروبّا، نعم كلّ شيء، إلى حدّ الحبّ.
*
آه،كائنا من تكون،لست سوى عبقريّة محتومة
تدفع إلى مهنة الشّعر التّعيسة هذه
اطرد عنك بعيدا و بكلّ قوّة كلّ صدق،و احترس أن يراه أحد
و هو يسيل من قلبك بضع قطرات من الدّم؛
و إلاّ ،فإنّك ستدرك أنّ أقصر فرحة ،تساوي الكثير
و أنّ الحكيم ، صديق الرّاحة
و أنّ اللأّمبالين، جلاّدون ممتازون.
*
سعيد ثلاثا،هو ذاك الرّجل،
الّذي يمكن لفكرته أن تكتب بحدّ السّيف أو الحسام…
كم عليه أن يحتقر أولئك الحالمين الحمقى
الّذين إذا عجنوا من وحل لا حياة فيه ،شبحا حقيرا ،
حلما،مثالا باردا
يتوقّفون بكل خيلاء،و يقولون:هذا يكفي
للأسف ،ماذا يعني الفكر ،عندما يبدأ العمل؟
في حين يتراجع أحدهما، يتقدّم الثّاني ببسالة
نحو الوجه الرّهيب للحقيقة،
هذايتسلّح بالحديد،و يستعدّ للقتال
أمّا ذلك الوثن الهزيل، العاجز عن القتل،
فيتراجع حاجبا جبينه الجامد
*
الأخلاق يا ” ويبير”،أخلاق محدّبة على قيثارتك الصمّاء
إنّ “موزارت” ينتظرك.و أنت أيّها الشّاعر المسكين؛
كائنا من تكون،طفلا كنت أم رجلا،إذا كان قلبك يخفق،
تحرّك،ألق بقيثارتك إلى المعركة…إلى المعركة.
يا ظلّ الأزمنة الخالية،أنت لست من هذا العهد.
ألسنا نسمع النّوتيّ يغني أثناء العاصفة؟
عند الفعل…عند الشرّ…يبقى الخير مجهولا.
هيّا ابحث عن ندّ لآلام بلا علاج.
ذلك الشقاء الّذي جعل منّا هذا المعنى المشوّه
الشرّ يبحث عن الشرّ،و من يعاني، هو من يساعدنا.
يمكن للإنسان أن يكره الإنسان،ثمّ يهرب،
لكنّ ألمه – و رغم أنفه – يتعاطف مع آلام الآخرين
لقد انتهى أمر الرّحمة، هذه الكلمة الّتي يخدعوننا بها،
و كلّ الخطابات الفاجرة، الّتي لا تنتهي،
بأنّ الرّجل ذا القلب السّعيد ، يلقي إلى صاحب القلب الباكي
كما يلقي الغنيّ خبزا إلى الفقير،
فمن يلومه على ذلك؟كيف للفضّ أن يحسّ بما تعانيه، إذا كنت أنت الّذي تعاني،
و هو الّذي لم يمنحه اللّه القدرة على المعاناة؟
اذهب إلى مكان ما،و مدّد جسدا
أكثر تشوّها من جسد شهيد
جسدا بلا شكل،مقرفا،مطروحا على رفّ
و قد حمل بعدُ، روحا جاهزة للرّحيل؛
ستتبعك الجماهير.فهي تحبّ أن يكون الألم حقيقيّا.
إنّ مصائبك الّتي سيعرف النّاس أنّك راض بها،
،ستفزع الجميع،و تثير الشّفقة لدى البعض.
لكن غيّر طريقتك:اكتشف لهم روحا كسرها الحزن،
ألما بدون غش،و ندم شيخ في قلب شابّ،
قل لهم إنّك بدون أمّ ،و بدون أخت،و بدون زوجة،
و دون أن تعلم أين ستذرف قبل موتك
الدموع الّتي يمكن لأعماقك أن تستوعبها
إلى أن تغيب الشّمس..لعلّك لن تذهب مطلقا…
من سيجد الوقت ،ليسمع شكواك؟
إنّ النّاس يثقون في دم يسيل، و يشكّون في الدّموع.
إنّ صديقك سيمرّ،لكن دون أن يتعرّف عليك.
*
أنت يا قلبي مغرور؟…هل تصدّق
أنّ الدّموع بلّلت وجهي،و أنا أكتب..
أتراني مشتاقا إلى الحديد،أم ترى يدي تسلّلت دون شجاعة،و بكلّ جبن
إلى صدري العاري؟
لا..لا شيء من ذلك مطلقا.لكن أينما ذهب بعيدا ،حقد هذا القدر الأعمى الّذي لا يستحي؛سأذهب
على الأقلّ،سأجد الشجاعة
لآخذه إلى أسفل ما يمكن أن يأخذه إليه العار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
- سان كاسيانو:هي San Casciano dei Bagni قرية إيطاليّة،تقع في توسكانيا، على الحد الجنوبي لمقاطعة” سيينا SIENNA ” الّتي اشتهرت منذ عهد بعيد بعيون ها المعدنيّة الثرّة.و قد اكتشف الأتروسكان الأرض و العيون الإثنين و الأربعين،الّتي طوّرها الرّومان فيما بعد.
- جورجوني (Giorgione) (C. 1477 – 1510) هو اسم مألوف جورجو barbarelli دا castelfranco، رسام ايطالي، واحد من الفنانين البذره من ارتفاع النهضه في البندقيه.
- نيكولو ماكيافيللى ( اتولد 3 مايو 1463 – اتوفى 22 يونيه 1527 ) ، سياسى و مؤرخ طليانى ، من رواد عصر النهضه الايطاليه. شارك فى الحياه السياسيه لكتن اعتزلها بعد ما رجع ميديتشى سنة 1512. اشتهر بكتاب ” الأمير ” اللى كان عباره عن تحليل موضوعى للوسايل اللى المفروض تتبع لبلوغ الهدف السياسى و استقرار الحكم.
- كوريجيو (1489-1534م). كان واحدًا من أشهر الرسامين في عصر النهضة في إيطاليا. وأبرز أعماله الفنية فريسكوز، وهي لوحة مرسومة على جص رطب على قبتي كنيستين في بارما في إيطاليا.
- وقد أبدع كوريجيو في هذه اللوحات، في الإيهام بأن السقف ـ في زعمه ـ ينفتح على السماء، وأن عددًا من الشخصيات الدينية تقيم في السحاب فوق رأس المشاهد.
- جورج هينريخ ويبير (بالألمانية: George Heinrich Weber) هو عالم نبات ألماني ولد في 1752 وتوفى في 1828. وكان أستاذاً في الطب في جامعة كيل
فولفغانغ أماديوس موزارت (27 يناير 1756-5 ديسمبر 1791م) هو مؤلف موسيقي نمساوي يعتبر من أشهر العباقرة المبدعين في تاريخ الموسيقى رغم أن حياته كانت قصيرة ، فقد مات عن عمر 35 عاماً بعد أن نجح في إنتاج 626 عمل موسيقي.- رفائيل واسمه الكامل رفائيلو سانزيو (Raffaello Sanzio)، (أوربينو، 6 أبريل 1483 – روما، 1520 م)، هو رسّام إيطالي من عصر النهضة. تتلمذ على يد بييترو بيروجينو، وأقام عدة ورشات في بيروجيا، فلورنسا وروما، ثم تولى منصب رئيس المهندسين والمشرف على المباني لدى بلاط الباباوات، يوليوس الثاني ثم ليون العاشر من بعده.
- هيلليسبون : هو ما يسمّى اليوم بمضيق الدردنيل،الّذي يربط بين بحر إيجي و بحر مرمرا.كان مسرحا لحرب طروادة الشّهيرة.و قد استعمره الإغريق في القرن السّابع قبل الميلاد،و اسّسوا فيه مجموعة من المستعمرات.ثمّ سيطر عليه الأثينيّون و جعلوا منه ممرّا تجاريّا لهم،قبل أن يسيطر عليه المقدونيّون.
- فيدياس :نحات اثيني عاش بين عامي 490 – 430 تقريبا قبل الميلاد وكان من أكثرهم تميزا وأشرف على بناء وتزيين المنحوتات الرخامية في البارثينون وبنى تمثال زوس. وتقول الأسطورة انه رأى الشكل التام والكامل للآلهة وصوره للناس فصنع المفهوم العام لتماثيل زيوس وأثينا لكل من بعده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توفى موسيه في الثاني من مارس 1857 وهو في السابعة والأربعين من عمره.